حكومة أزمة
ما جرى في هجليج لم يكن مفاجئا منذ اعلان رئيس دولة الجنوب سلفاكير ميارديت في 23 مارس الماضي أن قواته دخلت المنطقة،وبالتالي كان ينبغي على المسؤولين اتخاذ الاحتياطات اللازمة التي تمنع تحقيق النوايا الجنوبية، خاصة أن المنطقة تضم حقول النفط الرئيسية التي تنتج 70 في المئة من انتاج بلادنا، ولكن قواتنا المسلحة التي لم تضع السلاح أكثر من نصف قرن ،قادرة على استعادة الأوضاع الى ما كانت عليه قبل عصر الثلاثاء ان لم تكن قد فعلت ذلك حتى الآن، ستكون هذه التطورات خطوة فارقة في النزاع العسكري في المنطقة التي ظلت طوال الأسابيع الماضية تشهد مناوشات عسكرية ورسائل عبر المدافع على جانبي الحدود.
نثق أن القوات المسلحة تؤدي واجبها وتطلع بحماية الثغور والحفاظ على السيادة الوطنية،وصارت لها خبرة قتالية كافية تؤهلها لكسب أية حرب وان خسرت معركة،ويكفي أنها لم تنكسر أو تخور طوال العقود السابقة رغم انها خاضت معارك متزامنة على الحدود مع ثلاث دول في مسرح طويل ومفتوح وبإمكانات لا تقارن بمن وقفوا في مواجهتها.
الوقت ليس مناسبا للحديث عن وجود تقصير ومسؤولية سياسية لما جرى في هجليج، غير أن الحقائق والوقائع تفرض على القيادة السياسية اخضاع الأمر الى مراجعة دقيقة فقد تكرر التراخي،وسوء التدبير الذي دفع الوطن والمواطن ثمنه غاليا،وما غزو قوات "حركة العدل والمساواة" الخرطوم في مايو 2008 ببعيد عن الأذهان،لا نريد كبش فداء لتبرير ما حدث،فالدول المحترمة تستفيد من أخطائها لتطوير نفسها وقدراتها وتجاوز عثراتها بأقل الخسائر،ورئيس الجمهورية باعتباره مسؤولا عن الجهاز التنفيذي، تقع عليه مسؤولية محاسبة المقصرين من أعضاء حكومته مهما كان مستوى علاقتهم به،أنه أمر وطن لا ينبغي أن يخضع لأية معايير أخرى.
الشعوب تتوحد وتتناسى خلافاتها عندما تواجه أوطانها مخاطر، والسودان أمام تحديات جسيمة ويخوض معركة وجود ومصير،نأمل من الرئيس بواجباته الدستورية والتفويض الشعبي الذي ناله أن يسعى بجد لتوحيد الجبهة الداخلية ،وحل "حكومة القاعدة العريضة" فبطولها وعرضها لم تستطع أن تتصدى لقضايا البلاد المصيرية وهموم المواطن، ولم يقتنع أحدا أنها عريضة الا بعدد وزرائها، ولم يشعر أحدا بفاعليتها وحسن أدائها،والبديل حكومة أزمة، وفي النظام الرئاسي،الرئيس هو الذي يشكل الحكومة، وليس هناك ما يفرض عليه التقيد بأية ألوان سياسية أو تصنيفات حزبية. حكومة اجماع وطني لديها مهام محددة ،بسط الأمن، وانهاء التوترات الأمنية وتحقيق السلام واحتواء المصاعب الاقتصادية،وتهيئة المناخ السياسي والقانوني لممارسة سياسية راشدة.
القوى السياسية لا ينبغي أن تكون في موقع المتفرج فالوطن ليس ملكا لأحد، وما يصيبه يتأثر به الجميع لذا ننتظر منها لعب دور ايجابي في الحفاظ على وحدة البلاد وتماسكها،ولا أعتقد أنها ستفرح بانهيار الدولة وتفككها؛ لأنها حال وصولها السلطة لن تجد ما تحكمه. إنها لحظات لا تحتمل من الحاكمين والمعارضين المماحكة والمكايدة وكسب النقاط ،فالمواطن الذي تثقل كاهله هموم الحياة يكاد يفقد الثقة في نخبه ،انها مرحلة احباط و يأس سيكون لها ما بعدها، ويصعب التكهن بمآلاتها..!!