«هل نقول وداعاً لثقافة القراءة»؟
بقلم أحمد حسن محمد صالح: الراي العام
من حين لآخر عندما يكون الطقس مواتياً- اتجول بين ما اعتبره »مكتبات عشوائية«.. الكتب والمجلات المفروشة على قارعة الطريق -مثلاً- جوار موقف جاكسون وامام الجامع العتيق وبالقرب من ملاعب الكومبوني بشارع بابكر بدري وفي انحاء متفرقة من ولاية الخرطوم، وكتلك المفروشة شرق سوق الخرطوم بحري الكبير جوار موقف الحافلات..
وذات مرة عثرت على رواية »الطاعون« للكاتب الفرنسي الشهير البير كامو كاتب رواية »الغريب«- تجري احداث الطاعون ايام احتلال الجزائر قبل اكثر من سبعين عاماً- دفعت فيه جنيها و احدا فقط »ثمن ثلاث سجائر برنجي«.. رغم ان غالبية الكتب والمجلات في تلك المكتبات العشوائية رخيصة الثمن ،ولكنها عظيمة القيمة- إلا انها لم تجد الرواج التجاري- حتى تلك المكتبات المنظمة مثل سودان بوكشوب بشارع البرلمان وخرطوم بوكشوب بشارع الزبير تعاني من الركود.. و عندما زرت معرض الكتاب السوداني- المصري المشترك في دار الشرطة ببري- لم اجد هناك سوى عدد قليل من القراء المحتملين لا يتجاوزون الخمسة.. مجلة »العربي« ذات الصفحات التي تتجاوز المائتين تحتل مكاناً بارزاً في تلك المكتبات المفروشة.. القديمة منها تباع بواحد جنيه والنسخ الجديدة معروضة بسعر »4« جنيهات.. فالحكومة الكويتية الواعية تدعم هذه الاصدارة التي يسهم فيها صفوة الكتاب العرب بمختلف ضروب المعرفة..
من محاسن الصدف ان قرأت في »العربي« مقالاً ضافياً لعالم الانتروبولوجيا المصري المتخصص في »علم الانسان« د. احمد ابو زيد يحلل فيه اسباب عزوف هذا الجيل عن القراءة.. يقول د. ابو زيد في مقاله بعنوان »هل نقول وداعاً لثقافة القراءة؟« ان هناك »ثقافة أخرى بديلة تتشكل الآن تعتمد على وسائل تكنولوجيا اكثر حداثة في مجال الاتصال والمعلومات والمعرفة- تزحف بقوة طاردة فعل القراءة إلى هامش النشاط اليومي بل إلى هامش الحياة اليومي ككل«.. موضوع العزوف عن القراءة اثير بقوة عند صدور الجزء الأخير من سلسلة هاري بوتر الشهيرة وما أصابه من نجاح غير مسبوق في عالم النشر والقراءة في الغرب..
فقد احدث صدور تلك السلسلة من الكتب هزة قوية في النظرة إلى مستقبل القراءة- وزع منها ما يزيد عن 325 مليون نسخة في العالم مما يدل في ظاهرة على الأقل بمستقبل باهر للقراءة بين الاجيال الصاعدة«..
ولكن د. ابوزيد نسب إلى مقال نشر في صحيفة »نيويورك تايمز« الامريكية تشير ان اعداد الذين قرأوا من اجل المتعة الذهنية والراحة النفسية والمعرفة لذاتها يتناقص تدريجياً بشكل واضح.. حتى بين قراء هاري بوتر بعد ان اصبحت لديه اهتمامات أخرى غير القراءة..
ويعزو د. ابوزيد عزوف هذا الجيل عن القراءة إلى »الشاشة« التلفزيون والكمبيوتر والسينما من الواضح ان هناك اتجاهاً قوياً في الغرب للاعتراف بان القراءة سوف ينظر إليها في المستقبل غير البعيد على أنها من مخلفات الماضي ،وان المستقبل سيكون لعصر الكمبيوتر الناطق الذي يتولى تلاوة النص المكتوب وتقديمه منطوقاً للمستخدم وبذلك يكون هو الاداءة الرئيسية للمعرفة بدلاً عن القراءة..
وللكاتب الروائي النيجيري وول سوينكا عبارة دقيقة ذات دلالات بعيدة ومغزى عميق يقول فيها »انه ينتمي« إلى جيل ضائع لانه جيل يعتقد انه يكتب كثيراً ولكنه لا يجد ما يكفي من القراء«..